تحذير الرفاق من خطورة النفاق خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ بتاريخ : 16 ذو القعدة 1440هـ – 19 يوليو 2019م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق ، للدكتور خالد بدير ، وعناصرها:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد عن مسابقات الأوقاف
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق ، للدكتور خالد بدير : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق ، للدكتور خالد بدير :
العنصر الأول: حقيقة النفاق وأنواعه
العنصر الثاني: صفات المنافقين من خلال القرآن والسنة
العنصر الثالث: المنافقون في القرآن الكريم قصص وصور ونماذج
العنصر الرابع : طرق ووسائل الوقاية من النفاق
المقدمة: أما بعد:
خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق
العنصر الأول: حقيقة النفاق وأنواعه من خطبة الجمعة تحذير الرفاق من خطورة النفاق
عباد الله : النفاق في المصطلح الإسلامي يُطلقُ على إظهار الإسلام قولاً وعملاً، وإضمار الكفر، ومَنْ يكون هذا حاله يُقالُ له “منافق”؛ والمنافق رأسماله الكذب والخديعة، فيتظاهر بالإيمان والعمل الصالح، ليتستَّر بالإسلام على كفره ليأمن من بطش المسلمين، وليدفع الخطر عن نفسه، ويكون المنافق في الغالب مرتبكاً وخائفاً من الفضيحة ؛ فهو بذلك شر الناس وذو وجهين ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ ” ( متفق عليه ) .
” قال القرطبي – رحمه الله- :
إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق ، إذ هو متملق بالباطل وبالكذب ، مدخل للفساد بين الناس . وقال الإمام النووي : هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها ، فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها ، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين ، وهي مداهنة محرمة ” . ( فتح الباري ) .
ولقد جاء الحديث عن النِّفاق والمنافقين في أكثر مِن نصف سور القرآن المدنية؛ إذ ورد ذكرهم في سبع عشرة سورة مدنيَّة مِن ثلاثين سورة، فيما يقرب من ثلاثمائة وأربعين آية، حتى قال ابن القيم – رحمه الله -: كاد القرآن أن يكونَ كلّهُ في شأنِهم .
ولقد صدر الله سبحانه وتعالى سورة البقرة بذِكْر صفات المنافقين، والتحذير من من خطورة النفاق ومن خطر المنافقين ، فذَكَر – سبحانه – في المؤمنين أربع آيات، وفي الكفَّار آيتين، وفي المنافقين ثلاث عشرة آية؛ وذلك لكثْرتهم، وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم وبليتهم على الإسلام وأهله، فهم – كما يقول ابن القيم، رحمه الله تعالى: منسوبون إليه – أي: الإسلام – وهم أعداؤُه على الحقيقة، يخرجون عداوته في كلِّ قالب، حتى ليظن الجاهلُ أنهم على علْم وإصْلاح” .
فيا الله! كم من معقل للإسلام هدموه! وكم مِن حصن قد قلعوا أساسه وخربوه! وكم من علم قد طمسوه! وكم من لواء مرفوعٍ قد وَضَعُوه! وكم ضربوا بمعاول الشبه في أُصُول غراسهِ ليقلعوها!
فلا يزال الإسلام وأهله منهم في مِحْنة وبليَّة، ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية، ويزعمون بذلك أنهم مصلحون؛ {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 12].
لقد ظهرتْ تلك الفئة في المدينة على عهْد المصطفى – صلى الله عليه وسلم – فتكاثر عددُها، وتناسل أبناؤُها، وامتدَّ نسْلهم – لا كَثَّرَهم الله – إلى زمننا هذا، فَرَأَيْنا أحفادهم في زماننا لا يختلفون في مظْهرهم عنَّا، وهذا مكْمن المصيبة؛ فهم – وللأَسَف – مِن بني جِلْدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، وينتسبون لدِيننا، وينتمون لأَوْطاننا.
عباد الله:
إن العجيب في القرآن الكريم أن المولى – سبحانه – حصر العداوة في المنافقين دون غيرهم في قوله – تعالى -: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} [المنافقون: 4]؛ وذلك لإثبات الأولوية والأحقية للمنافقين بهذا الوصْف، يقول ابن القيم، رحمه الله -: ” لا يراد منه أنه لا عدو من الكافرين سواهم؛ بل المعنى: أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوًّا من الكافرين المجاهرين بكُفْرهم، فإن الحرب مع أولئك ساعة أو أيام ثم تنقضي، ويعقبها النصر والظفر، وهؤلاء – يعني: المنافقين – معكم في الدِّيار والمنازل صباحًا ومساءً، يدلُّون العدو على العورات، ويتربَّصون بالمؤمنين الدوائر، ولا يمكن بل يصعب مناجزتهم ” .
ويقول ابن تيميَّة – رحمه الله -: “والمنافقون ما زالوا ولا يزالون إلى يوْم القيامة”، وكذلك قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – مُعَللاً ذِكْرهم في القرآن: “واعْلَمْ أنه كلما انقرض منهم طوائف خلفهم أمثالهم، فذكر – سبحانه – أوصافهم لأوليائه؛ ليكونوا منهم على حذر”. اهـ.
والنفاق ينقسم إلى نوعين، نفاق الاعتقاد ونفاق العمل:
النفاق الاعتقادي : وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر ؛ وهذا النوع من النفاق الأكبر الذي يخرج صاحبه من ملة الإسلام، ويوجب له الخلود في النار، ويُحرّم عليه دخول الجنة، وذلك لأنه أظهر الإسلام والخير وأبطن الكفر والشر، وهؤلاء هم أشد خطراً وبلاءً على الإسلام، والمسلمين، لأنه يؤمن جانبهم لما ظهر من أمور تدل على إيمانهم ويأتي الخطر كل الخطر من جانبهم، فهم الذين يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا وهم الذين يذبذبون الصف المسلم، وغير ذلك ولكن الله كاشف أمرهم، وهو على إذلالهم قدير، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } (البقرة، آية: 8 ـ 10).
النفاق العملي:
وهو النفاق الأصغر ؛ وهذا النفاق العملي هو الاتصاف ببعض أعمال المنافقين التي لا تنقض الإيمان، بل في المعاملات، وذلك مثل الكذب في الحديث، وإخلاف الوعد، والغدر عند الوعد ؛ والفجور عند الخصام، والخيانة عند الائتمان، وغير ذلك من الصفات التي ستأتي مفصَّلةً في عنصرنا التالي إن شاء الله تعالى .
وهذا النوع غير مخرج من الملة ؛ ولكن يخشى أن تجتمع تلك الصفات في المنافق فتكون له سجية فترديه في النفاق الأكبر والعياذ بالله ؛ لذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يخافون النفاق ويحذرون الوقوع فيه والاقتراب منه ، قال ابن أبي مليكة رحمه الله: أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه .
إن اتهام بعض الصحابة أنفسهم بالنفاق والخوف من الوقوع فيه، يدل على أشياء كثيرة ومعانٍ رفيعة منها:
ـ مدى حرص الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ على إيمانهم وتوحيدهم وحفظ إيمانهم، من أن تشوبه شائبة تعكّر صفوه أو تنقص كماله.
ـ تواضع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وعدم اغترارهم بأعمالهم .
ـ ما يجب أن يكون عليه العبد من الخوف والرجاء، فإنه يخاف ربه وأن يقع فيما يغضبه، وفي نفس الوقت يرجو رحمته . ( انظر : الإيمان بالله جل جلاله – د / عَلي الصَّلاَّبي) .
العنصر الثاني: صفات المنافقين من خلال القرآن والسنة من تحذير الرفاق من خطورة النفاق
أيها المسلمون: تعالوا لنقف مع حضراتكم في هذا العنصر لنعرف صفات وعلامات المنافقين من خلال نصوص القرآن والسنة حتى نكون على حذر منهم ومن خطورة النفاق كما أمرنا ربنا {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}. وكما قيل:
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه……. ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
أولاً: الإفساد في الأرض بتهديم شريعة الله واتهام المؤمنين بالسفه:
قال تعالى في وصف المنافقين: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ }. (البقرة : 11 ـ 13).
ثانياً: خداع المؤمنين بالإيمان:
قال تعالى: { وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ } . (البقرة : 14) .
ثالثاً: الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله:
قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا } . (النساء : 60 ، 61).
رابعاً: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف:
قال تعالى: {والْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].
خامساً: اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين:
قال الله تعالى: { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا } . (النساء : 138، 139).
سادساً: التردد والتحير وعدم الثبات على المبدأ:
قال تعالى في وصفهم: { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا } (النساء: 143) يقول الإمام ابن كثير: ” يعني: المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين ظاهرًا وباطنًا، بل ظواهرهم مع المؤمنين، وبواطنهم مع الكافرين. ومنهم من يعتريه الشك، فتارة يميل إلى هؤلاء، وتارة يميل إلى أولئك ” . ( تفسير ابن كثير ) .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: « مَثَلُ الْمُنَافِقِ، كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً » (مسلم) .” و ( العائرة ) : المترددة الحائرة لا تدري لأيهما تتبع ، ومعنى تعير أي : تردد وتذهب ” . ( شرح النووي).
سابعاً: كثرة الأيمان الكاذبة:
قال تَعَالَى: { اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ( المنافقون: 2). أي اتقوا الناس بالأيمان الكاذبة لِيُصَدَّقُوا فِيمَا يَقُولُونَ فَاغْتَرَّ بِهِمْ مَنْ لَا يعرف جلية أمرهم، فاعتقدوا أنهم مسلمون، وَهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ لا يألون الإسلام وأهله خيالاً، فَحَصَلَ بِهَذَا الْقَدْرِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ثامناً: مُعاداة المؤمنين والتآمُر ضدّهم:
وهذه الصِّفة هي التي عليها أُقِيم سوق النفاق وازْدهر، وهي التي جعلتهم يظهرون الإيمان، ويبطنون الكفر، ولأجلها يخادِعون ويمكرون، وفي سبيلها أقيمت التحالُفات الآثمة، ونسجتْ خيوط المؤامرات العفنة بينهم وبين كلِّ عدوٍّ للإسلام؛ لذلك أمرنا الله بجهادهم فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9]، قال القرطبي – رحمه الله-: “الخِطاب للنبي – صلى الله عليه وسلم – وتدخل فيه أمته من بعده”. وقال ابن عباس -رضي الله عنها-: “أمره الله بجهاد الكفار بالسيف، والمنافقين باللسان، وأن يذهب الرفق عنهم”، فجهاد المنافقين – عباد الله – من أَجَلِّ فرائض الدِّين، ولا يقلُّ شأنًا عن فريضة الجهاد ضد الكافرين، وقد ذكر بعض العلماء أنَّ جهاد المنافقين فريضة دائمة، بينما جهاد الكافرين قد لا يكون على الدوام.
تاسعاً: الكذب وخلف الوعد وخيانة الأمانة والفجور في الخصومة:
وقد حصر لنا نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الصفات في أحاديث عدة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ” آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ , وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “( متفق عليه ) . وعن عبدالله بن عمرو أن النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ” أربعٌ مَن كنَّ فيه، كان منافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمِن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” . ( البخاري ومسلم) .
عاشراً: حلاوة منطقهم وعذوبة لسانهم مع خبث سريرتهم ومكرهم :
فهم كما قال الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوة…………. ويروغ منك كما يروغ الثعلب
فالمنافقون مِن أحسن الناس أجسامًا، وألطفهم بيانًا، وأخْبثهم قلوبًا، وأضعفهم جنانًا؛ كما يقول ربكم – سبحانه – في وصْفه لهم:{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4]. قال ابن كثير ” أي : كانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة ، إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم ، وهم مع ذلك في غاية الضعف ، والخور ، والهلع ، والجزع ، والجبن ” . ( تفسير ابن كثير ) .
حادي عشر: التكاسل عن الصلاة مع الجماعة وخصوصًا صلاة الفجر والعشاء:
قال تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء: 142) . وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم :” أثقلُ صلاةٍ على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما، لأَتوهما ولو حبوًا ” ويقول ابن مسعود: “ولقد رأيْتُنا وما يتخلَّفُ عنها (أي: صلاة الجماعة) إلاَّ منافق، معلوم النفاق” . ( مسلم ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إن للمنافقين علامات يعرفون بها : تحيتهم لعنة ، وطعامهم نهبة ، وغنيمتهم غلول ، ولا يقربون المساجد إلا هجرا ، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا ، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون ، خشب بالليل ، صخب بالنهار “(أحمد) .
ثاني عشر: نشر الفواحش بين المؤمنين:
قال تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(النور: 19) .
ومعلوم أن هذه الآية نزلت في شيخ المنافقين عبدالله بن أبى بن سلول؛ وذلك في حادثة الإفك حين العودة من غزوة بني المصطلق؛ غير أن ابن سلول لم يذكر ذلك صراحة ولم تقم عليه البينة أو الدليل؛ وهذا من خبثه ومكره ؛ كيف لا وهو زعيمهم؟! لذلك لم يُقِم الرسول الحد عليه وأقامه على الباقين؛ قال الدكتور البوطي في فقه السيرة:” فقد رأينا أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر بأولئك الذين تفوّهوا بصريح القذف، فضربوا حد القذف وهو ثمانون جلدة؛ وليس في هذا من إشكال؛ إنما الإشكال في أن ينجو من الحد الذي تولى كبر هذه الشائعة وتسييرها بين الناس، وهو عبد الله بن أبيّ بن سلول، والسبب، كما قال ابن القيم: أنه كان يعالج الحديث من الإفك بين الناس بخبث، فكان يستوشي الكلام فيه ويجمعه ويحكيه في قوالب من لا ينسب إليه؛ وأنت خبير أن حد القذف إنما يقع على من يتفوّه به بصريح القول.” أ.ه
أيها المسلمون:
إن الموقف الشرعي من هؤلاء المنافقين هو أن نحذرهم وأن نحذر من خطورة النفاق ؛ لأن المنافقين يظهرون ما لا يبطنون، ويسرون ما لا يعلنون، ولربما تحدَّثوا باسم الدين فاغْتَرَّ بهم الأغرار، فيحسبونهم من الناصحين، والله أعلم بما يكتمون، ومع الحذر منهم لا بد من كشف خططهم، وفضْح أساليبهم، فهم جبناء وأصحاب حِيَل ومَكْر وخديعة، لا يجرؤون على التصريح بما يريدون، فيسعون إلى التدمير باسم التطوير، وإلى الإفساد باسم الإصلاح .
هذه هي صفات المنافقين كما جاءت في القرآن والسنة ؛ فكونوا على حذر منهم ؛ حتى لا تقعوا في شباكهم وأنتم لا تشعرون .
العنصر الثالث: المنافقون في القرآن الكريم قصص وصور ونماذج من خطبة الجمعة تحذير الرفاق من خطورة النفاق
عباد الله: تعالوا لنقف مع حضراتكم في هذا العنصر مع صور ونماذج وقصص ومواقف للمنافقين والتي هي وليدة الصفات السابقة :
القصة الأولى: وصف ابن سلول الرسول وصحابته الكرام بالذل
فعن زيد بن أرقم – قال : خرجت مع عمي في غزاة ، فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله ، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأرسل إليَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فحدثته ، فأرسل إلى عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه ، فحلفوا ما قالوا : فكذبني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصدقه ، فأصابني هم لم يصبني مثله قط ، وجلست في البيت ، فقال عمي
: ما أردت إلا أن كذبك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومقتك . قال : حتى أنزل الله : ( إذا جاءك المنافقون ) قال : فبعث إلي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقرأها رسول الله عليَّ ، ثم قال : ” إن الله قد صدقك ” (أحمد ) .
ولما علم عمر بقول ابن سلول في حق الرسول؛ قال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ قال: لا يا عمر حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه!!
وكان عبدالله ابن سلول له ابن اسمه عبدالله من أجل وأعظم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغه ما كان من أمر أبيه أتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا رسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس ، فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” بل نترفق به ونحسن صحبته ، ما بقي معنا “
وذكر عكرمة ، وابن زيد ، وغيرهما :
أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله هذا على باب المدينة واستل سيفه ، فجعل الناس يمرون عليه ، فلما جاء أبوه عبد الله بن أبي قال له ابنه : وراءك . فقال : ما لك ؟ ويلك . فقال : والله لا تجوز من ها هنا حتى يأذن لك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنه العزيز وأنت الذليل . فلما جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكان إنما يسير ساقة فشكا إليه عبد الله بن أبي ابنه ، فقال ابنه عبد الله : والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له . فأذن له رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : أما إذ أذن لك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجز الآن .
ودارت الأيام ومات هذا المنافق؛ مات عبدالله بن أُبَيِّ بن سلول، وأتى ابنُه عبدُلله – رضي الله عنه – إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال:
“يا رسول الله، أعطني قميصك أُكفِّنُه فيه، وصلِّ عليه، واستغفر له”. فأعطاه النبيُّ – عليه الصلاة والسلام – قميصَه، وقام ليُصلِّي عليه، فلما سَمِع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ذلك أسرع إلى النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – وقال له: “أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟”، فقال له: “إني خُيِّرت، فاخترْتُ، لو أعلم أني إنْ زدتُ على السبعين يُغفرُ له لزدت عليها”، يعني قوله – تعالى-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ} [التوبة: 80]، فقد جاءت الآية بالتخيير بين الاستغفار وعدمه، فلما صلَّى عليه، نزلت الآية الأخرى، وهي قوله – تعالى -:
{وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84]. فجاء الأمر الإلهي بعدم الصلاة على جميع المنافقين، ولما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة؛ دعا حذيفة بن اليمان – أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم- وأعطاه كتابا به أسماء المنافقين ؛ وقال له : إذا مت فلا تصلوا على أحدٍ منهم مات أبداً ؛ ولما علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك أسرع إلى حذيفة فقال: أقسمت عليك بالله أأنا منهم؟ قال: لا. ولا أبرى بعدك أحداً . يعني حتى لا يكون مفشياً سر النبي صلى الله عليه وسلم .
القصة الثانية: اتهامهم المسلمين بالجبن والبخل
فعن عبدالله بن عمر: أن رجلا من المنافقين قال في غزوة تبوك : ما رأيت مثل هؤلاء القوم أرعب قلوبا ، ولا أكذب ألسنا ، ولا أجبن عند اللقاء . يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، فقال واحد من الصحابة : كذبت ولأنت منافق . ثم ذهب ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد القرآن قد سبقه . فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله وكان قد ركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نلعب ونتحدث بحديث الركب نقطع به الطريق .” قال عبد الله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنكُبُه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونلعب. ورسول الله يقول:{ أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ولا يلتفت إليه وما يزيده عليه.(تفسير الرازي) .
القصة الثالثة: المداهنة للمسلين في الظاهر مع إضمار الخبث والمكر والنفاق
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ؛ خَرَجُوا ذَاتَ يَوْمٍ فَاسْتَقْبَلَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: انْظُرُوا كَيْفَ أَرُدُّ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ عَنْكُمْ؟! فَذَهَبَ فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالصِّدِّيقِ سَيِّدِ بَنِي تَيْمٍ، وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَثَانِي رَسُولِ اللَّهِ فِي الْغَارِ الْبَاذِلِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عُمَرَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِسَيِّدِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، الْفَارُوقِ الْقَوِيِّ فِي دِينِ اللَّهِ، الْبَاذِلِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ؛ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ وَخَتَنِهِ، سَيِّدِ بَنِي هَاشِمٍ مَا خَلَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ افْتَرَقُوا؛ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: كَيْفَ رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ؟! فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَافْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا، فَرَجَعَ المسلمون إلى رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.!{ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ( البقرة: 14) .
القصة الرابعة: اللمز والغمز للمسلمين
فعن أبي مسعود قال : لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا ، فجاء عبدالرحمن بن عوف فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي . وجاء رجل اسمه ( أبو عقيل ) فتصدق بصاع ، فقالوا : إن الله لغني عن صدقة هذا الصعلوك. فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ( التوبة: 79) قال ابن كثير:” وهذه أيضا من صفات المنافقين : لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال ، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا: هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا : إن الله لغني عن صدقة هذا “.
العنصر الرابع : طرق ووسائل الوقاية من النفاق من عناصر الخطبة تحذير الرفاق من خطورة النفاق:
أيها المسلمون: قد يقول قائل: وكيف أتجنب النفاق؟ وما هي طرق الوقاية والحصانة منه ؟! أقول طرق الوقاية تتلخص فيما يلي:
أولاً: الإكثار من الدعاء:
فهو سلاح المؤمن ؛ وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من النفاق؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ ” . ( أبو داود والنسائي ) .
فالعبد قد يدخل في دائرة النفاق دون أن يشعر ؛ لأن القلوب متقلبة وبذلك سميت ؛ ولهذا كان الرسول – صلى الله عليه وسلم -يكثر من الدعاء لها بالثبات على الدين ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: « كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يُكثِرُ أن يقولَ: يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَ فقلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ آمنَّا بِكَ وبما جئتَ بِهِ فَهل تخافُ علَينا ؟ قالَ: نعَم إنَّ القلوبَ بينَ إصبَعَينِ من أصابعِ اللَّهِ يقلِّبُها كيفَ شاءَ » . ( أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه ) .
ولنا عبرةٌ في قصّة التابعي الكبير جبير بن نفير حيث قال: دخلت على أبي الدرداء رضي الله عنه منزله بحمص، فإذا هو قائمٌ يصلّي في مسجده، فلما جلس يتشهّد جعل يتعوّذ بالله من النفاق، فلما انصرف قلت: غفر الله لك يا أبا الدرداء، ما أنت والنفاق؟ فقال: “اللهم غفراً -ثلاثا-، من يأمن البلاء؟! من يأمن البلاء؟! والله إن الرجل ليُفْتَتن في ساعة فينقلب عن دينه”.
ثانياً: الحرص على أن ألا يتلبَّس بصفات المنافقين:
من كذب وخيانة، وخلف للوعد، وكراهية للجهاد، وموالاة للكفار، وتعطيل لشرع الله تعالى ؛ والذي يُعين العبد على ذلك هو استشعار عظمة الله تعالى، والحرص على سلامة قلبه من الآفات والأمراض.
ثالثاً: تعميق شجرة الإيمان في النفوس:
الإيمان والنفاق ضدّان لا يجتمعان، وليس بينهما نطاقٌ مشترك، بل يختلفان كل الاختلاف من حيث الأصل والطبيعة والأثَر، فإن زادت مادة الإيمان في القلب قلّ معها أثر النفاق، كالكوبِ الفارغ تصبّ فيه الماء، فكلّما زادت نسبتُه خرجَ معه الهواء الذي كان يملأ الكوب، حتى يمتلئ تماماً. كذلك العلاقة بين الإيمان والنفاق، يتزوّد الإنسان بالعمل الصالح الذي يُزكّي نفسه، ويُطهّر روحه، فتخبو جمرة النفاق حتى تنطفئ، والإيمان محبّة الله وطاعته، واتّباع أوامره واجتناب نواهيه، والنفاق تسخطٌ وكراهيةٌ لما أنزله الله، واتباعٌ لغير سبيل المؤمنين، نجدُ هذه الموازنة في طيّات القول الربّاني:
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ . ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّـهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ۖ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ . ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّـهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:25-28] .
رابعاً: كثرة ذكر الله وقراءة القرآن:
ما نافق من نافق، إلا بسبب مرض الغفلة والبُعد عن الله تعالى، وهذه الغفلة تولّدت من قلّة ذكر الله سبحانه وتعالى، كما جاء وصف المنافقين في القرآن الكريم، فلا تنتهض همّتهم لممارسة الذكر على وجهِ النافلة والتعبّد، وإذا اضطرّوا للصلاة أمام الناس، يقتصرون على أقلّ ما يمكن من الأذكار، يُسارعون في صلاتهم لتُصبح لعباً وعبثاً مشوّهاً، كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم: «تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا» [ مسلم] . إذا عُرف ذلك، كان الإكثار من الذكر -وأعظم الذكر كلام الله المنزّل على رسوله-أمانٌ من النفاق؛ لأن الذكرَ استحضارٌ للخالق جلّ وعلا واستشعارٌ لمراقبته في السرّ والعلن، لتستوي سريرته وعلانيّته ويتلاشى التنافر والتضاد الذي يعايشه القلب المنافق، وهذا واضحٌ لمن تأمّله.
قال ابن القيم:
“إن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل، قال الله عز وجل في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142]، وقال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق. ولهذا ـ والله أعلم ـ ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]، فإن في ذلك تحذيرا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله عز وجل فوقعوا في النفاق. وسئل بعض الصحابة رضي الله عنهم عن الخوارج: منافقون هم؟ قال: لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً . فهذا من علامة النفاق، والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلباً ذاكراً بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل”.
خامساً: المواظبة على صلاة الجماعة في المسجد:
والإتيان إليها مبكرًا، والمحافظة على خشوعها وسننها، وخاصة قيام الليل، فهو دأب الصالحين وهو يسير عليهم، بينما هو شاقٌّ على المنافقين.
هذه هي الطرق الوقائية من مرض النفاق فالزموها ؛ ومن وجد في نفسه صفة من صفات المنافقين فليطرحها أرضاً وليتب إلى الله تعالى ؛ لعل الله أن يطهر قلوبنا وأسرنا ومجتمعنا ووطننا وبلادنا من النفاق والمنافقين .
اللهم جنبنا النفاق والشقاق وسوء الأخلاق؛ واحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء ؛؛
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتب خطبة الجمعة القادمة 19 يوليو : تحذير الرفاق من خطورة النفاق: خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع